ايفان بونين
ولد ايفان اليكسيفتش بونين في 23 اكتوبر/تشرين الاول عام 1870 بمدينة فورونيج في اسرة نبلاء ينتمي اليها الشاعر فاسيلي جوكوفسكي والشاعرة آنا بونينا. وقالت عنه والدته لودميلا الكسندروفنا انه يختلف تماما عن بقية اطفالها فهو"
تميز منذ ولادته عن بقية الاطفال.. انه يتمتع بخصوصية ما .. ولا توجد لدى اي احد مثل هذه الروح المميزة له".
في عام 1874 قررت اسرة بونين ترك المدينة والاقامة في قرية بوتيركي بمحافظة اوريول حيث كانت توجد آخر ضيعة للأسرة. وهناك استمع ايفان الى حكايات واغاني الفلاحين وتشبع بحب الريف الروسي. وكتب لاحقا عن هذه الفترة من حياته يقول:" ان ذكريات الطفولة ارتبطت منذ ان كنت في سن السابعة بالحقول وبيوت الفلاحين (الموجيك) وساكنيها". وكان الصبي بونين يقضي طوال يومه في القرى المجاورة ويرعى الماشية مع الصبيان من ابناء الفلاحين وربطته اواصر الصداقة مع بعضهم. ووصف بونين هذه الفترة من حياته في رواية "حياة ارسينييف" التي تمثل سيرته الذاتية قائلا: انني كنت اقلد الرعاة واتناول مع شقيقتي ماشا الخبز الأسود والفجل و"الخيارات الخشنة والمحببة" ، ولدى تناول مثل هذا الوجبات من الطعام " تشعر وكأنك اصبحت قريبا من تلك الارض، وكل ما يجري تحسسه وتلمسه والذي خلق منه الكون ". وايامذاك شعر ايفان باعترافه نفسه بكل " عظمة الكون الربانية" والتي غدت الموضوع الرئيسي لأبداعه الادبي شعرا ونثرا. وفي هذه السن بالذات تكشف تعامله الادبي مع الحياة والذي تجسد في القدرة على تصوير الناس عبر الايماءات والحركات اذ كان محدثا موهوبا منذ ذلك الوقت. وفي سن الثامنة نظم بونين اول قصيدة . ولدى بلوغه الحادية عشرة من العمر التحق بالمدرسة في مدينة يليتس. وفي البداية كانت الدراسة سهلة حيث كان يحفظ قصيدة من صفحة كاملة اذا ما اعجبته. لكن في الاعوام التالية مضت الامور في الدراسة اسوأ فأسوا وفي العام الثالث ابقي في صفه لكي يعيده في العام التالي. علما ان معلميه لم يكونوا من ذوي المعارف والتأهيل العالي. لكن بونين واصل في المدرسة قرض الشعر مقلدا ميخائيل ليرمنتوف وبوشكين وغيرهما من شعراء روسيا الكبار. ولم يكن يجذبه ما يطالعه اقرانه في هذه السن بل كان يقرأ كل كتاب يقع بين يديه.
لم يختتم بونين تعليمه في المدرسة وواصل التعليم لاحقا بصورة مستقلة تحت اشراف شقيقه يولي اليكسييفتش الاستاذ في الجامعة. وفي خريف عام 1889 بدأ العمل في صحيفة " اورلوفسكي فيستنيك" ونشر فيها قصصه واشعاره ومقالاته في النقد الادبي وخصص له عمود دائم في الصحيفة. وكان يكسب رزقه من الكتابة الادبية. وكان ابوه قد افلس في عام 1893 وباع ضيعته ومن ثم بيته. ولم يجد الشاعر الفتي من يتلقى العون منه.
وتعرف بونين لدى عمله في الصحيفة على فارفارا باشينكو ابنة طبيب في المدينة والتي كانت تعمل هناك في مراجعة النصوص قبل طبعها.وكان يعكر هيامه الشديد بها حدوث مشاجرات بينهما احيانا ، لكن العلاقة بينهما لم تختتم بالزواج ، حيث عارض ابواها زواجها من شاعر فقير. وقد تحدث بونين عن غرامه الاول في الكتاب الخامس من روايته " حياة ارسينييف " الذي صدر بعنوان " ليكا".
ويشير كاتبو سيرة بونين الى ان الكثيرين كانوا يتصورون بونين شخصا جافا وبارد الطبع. وكتبت فيرا مورومتسيفا – بونينا تقول:" حقا كان يتراءى للبعض احيانا انه كذلك ، فقد كان ممثلا بارعا... لكن من لم يعرفه حتى النهاية ما كان ليتصور مدى رقة روحه". وكان بونين من الناس الذين لا يكشفون خفايا نفوسهم. وكان يتميز بطبيعة غريبة جدا. وهيهات ان يمكن ايجاد كاتب روسي آخر عبر عن مشاعر الحب بكل نكران ذات واندفاع كما فعل ذلك في رسائله الى فارفارا باشينكو حيث جمع في احلامه صورة كل ما هو جميل وساحر وجده في الطبيعة والشعر والموسيقى. ويشبه بونين من حيث البحث عن المثل الاعلى في الحب الشاعر الالماني غوته الذي اعترف بأن " روايته الآم فرتر " تجسد لحد كبير سيرة حياته.
في خريف عام 1892 انتقل ايفان بونين مع صديقته باشينكو للأقامة في بولتافا حيث كان يعمل شقيقه يولي اليكسييفتش في منصب خبير في دائرة الاحصاء في المدينة. وألحق شقيقه الاصغر وصديقته بالعمل هناك. وقد تجمع في قضاء بولتافا ايامذاك عدد من المثقفين المنتمين الى الحركة الشعبية "نارودنايا" في اعوام السبعينيات والثمانينيات في القرن التاسع عشر. وشارك الاخوان ايفان ويولي بونين في هيئة تحرير صحيفة " اخبار محافظة بولتافا" التي كانت خاضعة منذ عام 1894 تحت تأثير المثقفين التقدميين. ونشر ايفان بونين بعض اعماله في هذه الصحيفة وكذلك في جريدة " كييفليانين"، وفي هذه الفترة بدأ نشر اشعار وقصص بونين في المجلات " السميكة" مثل " فيستنيك يفروبا" و" مير بوج" و" روسكويه بوغاتسفو" وجذبت اهتمام كبار النقاد. وتنبأ له الناقد نيقولاي ميخايلوفسكي لدى مطالعته قصة " مشهد من القرية" بأن يصبح " كاتبا كبيرا".
في فترة 1893 – 1894 ابدى بونين ولعا كبيرا بالحركة التولستوية فزار القرى التي يعيش اهلها وفق وصايا تولستوي في العودة الى احضان الطبيعة واتباع اسلوب حياة بسيط . وفي يناير عام 1894 زار تولستوي نفسه في ضيعته والذي اقنعه بالعدول عن " الغلو في حياة البساطة" التي كان يدعو اليها بعض اتباعه.
في ربيع وصيف عام 1894 قام ايفان بونين بجولة في انحاء اوكرانيا. وقد اعرب في كتاباته عن اعجابه بأوكرانيا وقراها وسهوبها وسعى الى التقارب مع شعبها والاصغاء الى اغانيه وصدى روحه.
في عام 1895 هربت منه صديقته باشينكو التي تزوجت صديقه ارسيني بيبيكوف. وقد تأثر بونين لهذا الحدث كثيرا فترك عمله في بولتافا وانتقل الى بطرسبورغ ومنها الى موسكو حيث انخرط في اوساطهما الادبية. وحقق هناك نجاحا باهرا . كما التقى مشاهير ادباء ونقاد العصر مثل تشيخوف وكورولينكو وكوبرين وميخايلوفسكي وسولوغوب وغيرهم.
ومن ثم سافر الى اوديسا حيث تزوج آنا تساكني في عام 1898 لكن العلاقة الزوجية لم تدم طويلا بعد وفاة طفلهما الوحيد نيقولاي وانتهت بالطلاق. ومن هناك سافر الى يالطا حيث التقى تشيخوف وغوركي وتعرف على المخرج المسرحي قسطنطين ستانيسلافسكي والملحن سيرغي رخمانينوف وفناني مسرح موسكو الفني الذين زاروا المدينة آنذاك. علما ان علاقته توطدت كثيرا مع تشيخوف وصار غالبا ما يزوره في يالطا وفي موسكو.
وشهدت بداية التسعينيات مرحلة جديدة من حياة بونين حيث قام برحلات كثيرة في اوروبا وبلدان افريقيا والشرق الاوسط التي تركت فيه انطباعات شديدة تجسدت في قصصه التي لقيت اقبالا كبيرا لدى القراء ولمع اسمه بصفته من احسن كتاب روسيا في تلك الفترة.
في مطلع عام 1901 نشر ديوانه " سقوط اوراق الشجر" الذي اثار صدى كبيرا لدى النقاد. وفي عام 1903 منح بونين جائزة بوشكين التي تقدمها اكاديمية العلوم الروسية الى الادباء والمبدعين سنويا.
في عام 1906 تعرف بونين في موسكو على زوجته القادمة فيرا مورمتسيفا التي رافقته في جولته في مصر وسورية وفلسطين. وفي هذه الفترة نشر قصصه التي يتحدث فيها عن انطباعاته حول الشرق . ونظم ايامذاك قصائده الشهيرة ذات الموضوع الاسلامي :" ليلة القدر" و" الهجرة" و" امرؤ القيس" و"البدوي " و" القافلة" وكذلك قصصه "معبد الشمس " و" بحر الآلهة" و" ظل الطير" وغيرها.
وقد اتسمت اعماله النثرية بعد هذه الجولة بصبغة جديدة تشيع فيها التلاوين الصارخة وكأنها لوحات زيتية. وقد منحته اكاديمية العلوم الروسية جائزة بوشكين الثانية في عام 1909 لقاء قصة "ظل الطير" وغيرها التي صدرت في تلك الفترة ولترجمته اسعار بايرون الى اللغة الروسية.وانتخب بونين في العام نفسه لنيل لقب اكاديمي شرف.
وأثارت روايته القصيرة" القرية" التي نشرت في عام 1910 ضجة كبيرة في الاوساط الادبية وتعتبر بداية شهرة بونين الواسعة في روسيا وخارجها. وكانت بداية نشر مجموعة من الروايات والقصص الاخرى التي " صورت الروح الروسية وأسسها المضيئة والقاتمة وحتى المأساوية في غالب الاحيان" حسب قوله. وكتب
مكسيم غوركي عن رواية "القرية" ان اي كاتب آخر لم يتناول موضوع القرية بمثل هذا العمق والاصالة التاريخية. وعالج بونين على نطاق واسع حياة الشعب الروسي المتعلقة بمشاكله التاريخية والوطنية والقضايا الاكثر الحاحا في تلك الفترة اي الحرب والثورة. وقد صور القرية في زمانه بدون اي تزويق. وقد رسخت هذه الرواية التقاليد الواقعية في الادب الكلاسيكي الروسي. علما ان بونين لم يلتحق بأية مجموعة ادبية في زمانه وكان لديه اسلوبه الخاص ولغته الشعرية ومعالجته لقضايا عصره . واصبح بونين ظاهرة ادبية متميزة بروسيا في النصف الاول من القرن العشرين بالرغم من اضطراره للهجرة من وطنه الى فرنسا في 21 مايو عام 1918 بعد قيام ثورة اكتوبر البلشفية في عام 1917. حيث استقل مع زوجته السفينة من اوديسا الى القسطنطينية(اسطنبول) وانتقل منها الى صوفيا وبلغراد ووصل باريس في 28 مارس 1920 .
وفي فترة 1927 – 1930 كتب بونين مجموعة من القصص القصيرة مثل " الفيل" و" الشمس فوق الدار" وغيرها التي حاول فيها ايجاد اشكال جديدة للكتابة المقتضبة والتي ارسى بدايتها تولستوي وتورجينيف وتشيخوف.
في عام 1933 منح بونين جائزة نوبل لقاء روايته " حياة ارسينييف" واعمال اخرى.وكان اول كاتب روسي يحصل على هذه الجائزة.
وفي عام 1936 زار بونين وزوجته المانيا وهناك اصطدم لأول مرة بالانظمة النازية حيث جرى اعتقاله واذلاله بسبب اتصالاته مع الناشرين والمترجمين لأعماله. واستقر به المقام لاحقا في غراس حتى نهاية الحرب ولم ينشر في هذه الفترة اي شئ. لكنه كتب مجموعة قصص عن الحب بعنوان " الدروب الظليلة". وفي عام 1945 ترك غراس وعاد الى باريس. وفي الاعوام الاخيرة من
حياته مرض كثيرا وكتب مذكراته وبدأ بتأليف كتاب عن تشيخوف لكنه لم يتمه . وكتب بونين في المهجر اجمالا عشرة كتب. ووافته المنية في 8 نوفمبر عام 1953 وكان يعاني من الفقر الشديد. وكتب بونين في مذكراته يقول:" انني ولدت قبل الاوان . ولو ولدت قبل هذا الزمن لكانت ذكرياتي ككاتب مختلفة. ولما شهدت مأسي عام 1905 ومن ثم الحرب العالمية الاولى وبعدها عام 1917 واستمراره ولينين وستالين وهتلر.. ولكم احسد ابونا نوح .. فقد كان من نصيبه ان يشهد حدوث طوفان واحد "..
ودفن بونين في مقبرة سانت-جنفييف- دي بوا بضواحي باريس...
http://arabic.rt.com/news_all_info/info/33082
ولد ايفان اليكسيفتش بونين في 23 اكتوبر/تشرين الاول عام 1870 بمدينة فورونيج في اسرة نبلاء ينتمي اليها الشاعر فاسيلي جوكوفسكي والشاعرة آنا بونينا. وقالت عنه والدته لودميلا الكسندروفنا انه يختلف تماما عن بقية اطفالها فهو"
تميز منذ ولادته عن بقية الاطفال.. انه يتمتع بخصوصية ما .. ولا توجد لدى اي احد مثل هذه الروح المميزة له".
في عام 1874 قررت اسرة بونين ترك المدينة والاقامة في قرية بوتيركي بمحافظة اوريول حيث كانت توجد آخر ضيعة للأسرة. وهناك استمع ايفان الى حكايات واغاني الفلاحين وتشبع بحب الريف الروسي. وكتب لاحقا عن هذه الفترة من حياته يقول:" ان ذكريات الطفولة ارتبطت منذ ان كنت في سن السابعة بالحقول وبيوت الفلاحين (الموجيك) وساكنيها". وكان الصبي بونين يقضي طوال يومه في القرى المجاورة ويرعى الماشية مع الصبيان من ابناء الفلاحين وربطته اواصر الصداقة مع بعضهم. ووصف بونين هذه الفترة من حياته في رواية "حياة ارسينييف" التي تمثل سيرته الذاتية قائلا: انني كنت اقلد الرعاة واتناول مع شقيقتي ماشا الخبز الأسود والفجل و"الخيارات الخشنة والمحببة" ، ولدى تناول مثل هذا الوجبات من الطعام " تشعر وكأنك اصبحت قريبا من تلك الارض، وكل ما يجري تحسسه وتلمسه والذي خلق منه الكون ". وايامذاك شعر ايفان باعترافه نفسه بكل " عظمة الكون الربانية" والتي غدت الموضوع الرئيسي لأبداعه الادبي شعرا ونثرا. وفي هذه السن بالذات تكشف تعامله الادبي مع الحياة والذي تجسد في القدرة على تصوير الناس عبر الايماءات والحركات اذ كان محدثا موهوبا منذ ذلك الوقت. وفي سن الثامنة نظم بونين اول قصيدة . ولدى بلوغه الحادية عشرة من العمر التحق بالمدرسة في مدينة يليتس. وفي البداية كانت الدراسة سهلة حيث كان يحفظ قصيدة من صفحة كاملة اذا ما اعجبته. لكن في الاعوام التالية مضت الامور في الدراسة اسوأ فأسوا وفي العام الثالث ابقي في صفه لكي يعيده في العام التالي. علما ان معلميه لم يكونوا من ذوي المعارف والتأهيل العالي. لكن بونين واصل في المدرسة قرض الشعر مقلدا ميخائيل ليرمنتوف وبوشكين وغيرهما من شعراء روسيا الكبار. ولم يكن يجذبه ما يطالعه اقرانه في هذه السن بل كان يقرأ كل كتاب يقع بين يديه.
لم يختتم بونين تعليمه في المدرسة وواصل التعليم لاحقا بصورة مستقلة تحت اشراف شقيقه يولي اليكسييفتش الاستاذ في الجامعة. وفي خريف عام 1889 بدأ العمل في صحيفة " اورلوفسكي فيستنيك" ونشر فيها قصصه واشعاره ومقالاته في النقد الادبي وخصص له عمود دائم في الصحيفة. وكان يكسب رزقه من الكتابة الادبية. وكان ابوه قد افلس في عام 1893 وباع ضيعته ومن ثم بيته. ولم يجد الشاعر الفتي من يتلقى العون منه.
وتعرف بونين لدى عمله في الصحيفة على فارفارا باشينكو ابنة طبيب في المدينة والتي كانت تعمل هناك في مراجعة النصوص قبل طبعها.وكان يعكر هيامه الشديد بها حدوث مشاجرات بينهما احيانا ، لكن العلاقة بينهما لم تختتم بالزواج ، حيث عارض ابواها زواجها من شاعر فقير. وقد تحدث بونين عن غرامه الاول في الكتاب الخامس من روايته " حياة ارسينييف " الذي صدر بعنوان " ليكا".
ويشير كاتبو سيرة بونين الى ان الكثيرين كانوا يتصورون بونين شخصا جافا وبارد الطبع. وكتبت فيرا مورومتسيفا – بونينا تقول:" حقا كان يتراءى للبعض احيانا انه كذلك ، فقد كان ممثلا بارعا... لكن من لم يعرفه حتى النهاية ما كان ليتصور مدى رقة روحه". وكان بونين من الناس الذين لا يكشفون خفايا نفوسهم. وكان يتميز بطبيعة غريبة جدا. وهيهات ان يمكن ايجاد كاتب روسي آخر عبر عن مشاعر الحب بكل نكران ذات واندفاع كما فعل ذلك في رسائله الى فارفارا باشينكو حيث جمع في احلامه صورة كل ما هو جميل وساحر وجده في الطبيعة والشعر والموسيقى. ويشبه بونين من حيث البحث عن المثل الاعلى في الحب الشاعر الالماني غوته الذي اعترف بأن " روايته الآم فرتر " تجسد لحد كبير سيرة حياته.
في خريف عام 1892 انتقل ايفان بونين مع صديقته باشينكو للأقامة في بولتافا حيث كان يعمل شقيقه يولي اليكسييفتش في منصب خبير في دائرة الاحصاء في المدينة. وألحق شقيقه الاصغر وصديقته بالعمل هناك. وقد تجمع في قضاء بولتافا ايامذاك عدد من المثقفين المنتمين الى الحركة الشعبية "نارودنايا" في اعوام السبعينيات والثمانينيات في القرن التاسع عشر. وشارك الاخوان ايفان ويولي بونين في هيئة تحرير صحيفة " اخبار محافظة بولتافا" التي كانت خاضعة منذ عام 1894 تحت تأثير المثقفين التقدميين. ونشر ايفان بونين بعض اعماله في هذه الصحيفة وكذلك في جريدة " كييفليانين"، وفي هذه الفترة بدأ نشر اشعار وقصص بونين في المجلات " السميكة" مثل " فيستنيك يفروبا" و" مير بوج" و" روسكويه بوغاتسفو" وجذبت اهتمام كبار النقاد. وتنبأ له الناقد نيقولاي ميخايلوفسكي لدى مطالعته قصة " مشهد من القرية" بأن يصبح " كاتبا كبيرا".
في فترة 1893 – 1894 ابدى بونين ولعا كبيرا بالحركة التولستوية فزار القرى التي يعيش اهلها وفق وصايا تولستوي في العودة الى احضان الطبيعة واتباع اسلوب حياة بسيط . وفي يناير عام 1894 زار تولستوي نفسه في ضيعته والذي اقنعه بالعدول عن " الغلو في حياة البساطة" التي كان يدعو اليها بعض اتباعه.
في ربيع وصيف عام 1894 قام ايفان بونين بجولة في انحاء اوكرانيا. وقد اعرب في كتاباته عن اعجابه بأوكرانيا وقراها وسهوبها وسعى الى التقارب مع شعبها والاصغاء الى اغانيه وصدى روحه.
في عام 1895 هربت منه صديقته باشينكو التي تزوجت صديقه ارسيني بيبيكوف. وقد تأثر بونين لهذا الحدث كثيرا فترك عمله في بولتافا وانتقل الى بطرسبورغ ومنها الى موسكو حيث انخرط في اوساطهما الادبية. وحقق هناك نجاحا باهرا . كما التقى مشاهير ادباء ونقاد العصر مثل تشيخوف وكورولينكو وكوبرين وميخايلوفسكي وسولوغوب وغيرهم.
ومن ثم سافر الى اوديسا حيث تزوج آنا تساكني في عام 1898 لكن العلاقة الزوجية لم تدم طويلا بعد وفاة طفلهما الوحيد نيقولاي وانتهت بالطلاق. ومن هناك سافر الى يالطا حيث التقى تشيخوف وغوركي وتعرف على المخرج المسرحي قسطنطين ستانيسلافسكي والملحن سيرغي رخمانينوف وفناني مسرح موسكو الفني الذين زاروا المدينة آنذاك. علما ان علاقته توطدت كثيرا مع تشيخوف وصار غالبا ما يزوره في يالطا وفي موسكو.
وشهدت بداية التسعينيات مرحلة جديدة من حياة بونين حيث قام برحلات كثيرة في اوروبا وبلدان افريقيا والشرق الاوسط التي تركت فيه انطباعات شديدة تجسدت في قصصه التي لقيت اقبالا كبيرا لدى القراء ولمع اسمه بصفته من احسن كتاب روسيا في تلك الفترة.
في مطلع عام 1901 نشر ديوانه " سقوط اوراق الشجر" الذي اثار صدى كبيرا لدى النقاد. وفي عام 1903 منح بونين جائزة بوشكين التي تقدمها اكاديمية العلوم الروسية الى الادباء والمبدعين سنويا.
في عام 1906 تعرف بونين في موسكو على زوجته القادمة فيرا مورمتسيفا التي رافقته في جولته في مصر وسورية وفلسطين. وفي هذه الفترة نشر قصصه التي يتحدث فيها عن انطباعاته حول الشرق . ونظم ايامذاك قصائده الشهيرة ذات الموضوع الاسلامي :" ليلة القدر" و" الهجرة" و" امرؤ القيس" و"البدوي " و" القافلة" وكذلك قصصه "معبد الشمس " و" بحر الآلهة" و" ظل الطير" وغيرها.
وقد اتسمت اعماله النثرية بعد هذه الجولة بصبغة جديدة تشيع فيها التلاوين الصارخة وكأنها لوحات زيتية. وقد منحته اكاديمية العلوم الروسية جائزة بوشكين الثانية في عام 1909 لقاء قصة "ظل الطير" وغيرها التي صدرت في تلك الفترة ولترجمته اسعار بايرون الى اللغة الروسية.وانتخب بونين في العام نفسه لنيل لقب اكاديمي شرف.
وأثارت روايته القصيرة" القرية" التي نشرت في عام 1910 ضجة كبيرة في الاوساط الادبية وتعتبر بداية شهرة بونين الواسعة في روسيا وخارجها. وكانت بداية نشر مجموعة من الروايات والقصص الاخرى التي " صورت الروح الروسية وأسسها المضيئة والقاتمة وحتى المأساوية في غالب الاحيان" حسب قوله. وكتب
مكسيم غوركي عن رواية "القرية" ان اي كاتب آخر لم يتناول موضوع القرية بمثل هذا العمق والاصالة التاريخية. وعالج بونين على نطاق واسع حياة الشعب الروسي المتعلقة بمشاكله التاريخية والوطنية والقضايا الاكثر الحاحا في تلك الفترة اي الحرب والثورة. وقد صور القرية في زمانه بدون اي تزويق. وقد رسخت هذه الرواية التقاليد الواقعية في الادب الكلاسيكي الروسي. علما ان بونين لم يلتحق بأية مجموعة ادبية في زمانه وكان لديه اسلوبه الخاص ولغته الشعرية ومعالجته لقضايا عصره . واصبح بونين ظاهرة ادبية متميزة بروسيا في النصف الاول من القرن العشرين بالرغم من اضطراره للهجرة من وطنه الى فرنسا في 21 مايو عام 1918 بعد قيام ثورة اكتوبر البلشفية في عام 1917. حيث استقل مع زوجته السفينة من اوديسا الى القسطنطينية(اسطنبول) وانتقل منها الى صوفيا وبلغراد ووصل باريس في 28 مارس 1920 .
وفي فترة 1927 – 1930 كتب بونين مجموعة من القصص القصيرة مثل " الفيل" و" الشمس فوق الدار" وغيرها التي حاول فيها ايجاد اشكال جديدة للكتابة المقتضبة والتي ارسى بدايتها تولستوي وتورجينيف وتشيخوف.
في عام 1933 منح بونين جائزة نوبل لقاء روايته " حياة ارسينييف" واعمال اخرى.وكان اول كاتب روسي يحصل على هذه الجائزة.
وفي عام 1936 زار بونين وزوجته المانيا وهناك اصطدم لأول مرة بالانظمة النازية حيث جرى اعتقاله واذلاله بسبب اتصالاته مع الناشرين والمترجمين لأعماله. واستقر به المقام لاحقا في غراس حتى نهاية الحرب ولم ينشر في هذه الفترة اي شئ. لكنه كتب مجموعة قصص عن الحب بعنوان " الدروب الظليلة". وفي عام 1945 ترك غراس وعاد الى باريس. وفي الاعوام الاخيرة من
حياته مرض كثيرا وكتب مذكراته وبدأ بتأليف كتاب عن تشيخوف لكنه لم يتمه . وكتب بونين في المهجر اجمالا عشرة كتب. ووافته المنية في 8 نوفمبر عام 1953 وكان يعاني من الفقر الشديد. وكتب بونين في مذكراته يقول:" انني ولدت قبل الاوان . ولو ولدت قبل هذا الزمن لكانت ذكرياتي ككاتب مختلفة. ولما شهدت مأسي عام 1905 ومن ثم الحرب العالمية الاولى وبعدها عام 1917 واستمراره ولينين وستالين وهتلر.. ولكم احسد ابونا نوح .. فقد كان من نصيبه ان يشهد حدوث طوفان واحد "..
ودفن بونين في مقبرة سانت-جنفييف- دي بوا بضواحي باريس...
http://arabic.rt.com/news_all_info/info/33082