من رواية " بطل هذا الزمان " لـ " ميخائيل ليرمانتوف "
* انا لا أنظر الى آلام الآخرين وأفراحهم إلا من خلال علاقتها بي ، بوصفها طعاماً تتغذي به قواي الروحية ، لقد سحقت الظروف طموحي ، ولكنه ظهر في هيئة أخرى ، لأن الطموح ليس سوى التعطش الى السلطة ، ومتعتي الأولى هي اخضاع كل من ما حولي لإرادتي وغرس محبتي والاخلاص لي والخوف مني في قلوب الآخرين ، أليس هذا أول علامة من علائم الانتصار الأعظم للسلطة ؟ أن تكون سبباً لآلام أحدهم وأفراحه من دون أن يكون لك حق أدنى في ذلك ، أليس هذا هو الغذاء الأشهى لكبريائنا ؟ وما هي السعادة ؟ انها ارتواء الكبرياء . لو عددت نفسي أفضل من في الدنيا وأقواهم ، لكنت سعيداً ، لو أحبني الجميع لوجدت في نفسي ينابيع للحب لا تنضب . الشر يولد الشر ، المعاناة الأولى تعطيك فكرة عن لذة تعذيب الآخر ، فكرة الشر لا يمكن أن تدخل رأس انسان من دون أن يرغب في تطبيقها في الواقع : لقد قال أحدهم : الأفكار كائنات عضوية . ولادتها تعطيها شكلها ، وهذا الشكل هو الفعل ، من تولد في رأسه أفكار أكثر يقوم بأفعال اكثر ، ولذا فإن العبقري المقيد الى كرسي الوظيفة يجب أن يموت أو يصاب بالجنون ، تماماً كالانسان ذي البنية الجسدية القوية الذي يموت بالسكتة القلبية اذا عاش حياة خاملة ساكنة .
* نعم ، ذلك كان قدري منذ الطفولة ! الجميع قرأ في وجهي علائم الصفات السيئة التي لم تكن موجودة عندي ، ولكنهم افترضوا وجودها – وهكذا وجدت . كنت متواضعاً فاتهموني بالخداع : فصرت كتوماً . كنت أحس بالخير والشر احساساً عميقاً ، ولكن لم يعطف علي أحد ، الجميع وجه الي الاهانات ، فأصبحت حقوداً ، كنت متجهماً ، الأطفال الآخرون كانوا مرحين وثرثارين ، كنت أشعر اني أعلى منهم مستوى ، ولكنهم وضعوني دونهم . فصرت حسوداً كنت مستعداً لحب العالم كله ، ولكن لم يفهمني أحد : فتعلمت كيف أكره . لقد جرى شبابي الباهت في صراع مع ذاتي ومع المجتمع ، كنت احتفظ بأفضل عواطفي في أعماق قلبي ، خوفاً من السخرية . وقد ماتت هناك . كنت أقول الحقيقة ولكنهم لم يصدقوني : فبدأت الخداع ، حين عرفت الناس ونوابض المجتمع جيداً ، وصرت ماهراً في علم الحياة رأيت كيف كان الآخرون سعداء من دون أن يمتلكون أية مهارة ، مستفيدين من تلك المكاسب التي كنت أسعى اليها من دون كلل . حينئذ ولد اليأس في صدري ، ليس ذلك اليأس الذي يعالجونه بفوهة المسدس ، بل هو يأس بارد عاجز يختفي وراء اللطف والابتسامة الموحية بالطيبة ، لقد أصبحت مشوهاً أخلاقياً : نصف روحي غير موجود لأنه جف وتبخر ومات ‘ فاجتثثته ورميته ، في حين أن النصف الثاني كان يحيا ويتحرك راغباً في خدمة أي انسان ، ولكن أحداً لم يلحظ ذلك ، لأن أحداً لم يكن يعلم بوجود النصف الآخر الميت .
* وسألت نفسي : أمن المعقول أن يكون دوري الوحيد في هذا العالم هو تدمير أحلام الآخرين . انني منذ بدأت أحيا وأفعل يقودني القدر دائماً الى وضع حد لقصص الناس الدرامية ، وكأن أحداً لا يستطيع من دوني أن يموت أو يصبه اليأس ! لقد كنت دائماً شخصية ضرورية في الفصل الخامس ، ورغماً عني كنت أؤدي الدور البائس ، دور الجلاد والخائن . ترى ما غاية القدر من ذلك ؟ .. أتراه وظفني مؤلفاً للتراحيديات المبتذلة وحكايات الغرام العائلية _ أم عينني مثلاًُ ، بين موظفي مورد القصص الى دار " بيبليوتيكا دلاشتينيا " - ( مكتبة للقراءة وهي دار نشر رجعية ) – من أين لي أن أعرف ؟ .... كم من الناس يبدؤون حياتهم حالمين بإنهائها كالاسكندر الأكبر أو بايرون ، ومع ذلك يظلون عمرهم كله كتاباً في الدوايين ؟
* ولكن ما دافعي الى هذا العناء ؟ اهو شعور بالحسد نحو غروشنيتسكي ؟ يا للمسكين ! انه لا يستحق الحسد أبداً . أم انه نتيجة ذلك الشعور الرديء الجارف الذي يرغمنا على تدمير الأوهام العذبة بلانسان القريب منا ، كي نحصل عل متعة ضحلة ونحن نقول له حين يأتي إلينا يسألنا بماذا يجب أن يؤمن بعد الآن : " يا صديقي ، لقد حدث الأمر نفسه لي ، ولكن ها أنت ترى انني اتغدى واتعشى وأنام نوماً هادئاً ، وآمل أن استطيع الموت من دون صراخ ودموع ! "
* هذا يسرني جداً : أنا أحب الأعداء ولكن ليس على الطريقة المسيحية ، انهم يسلونني ويحركون الدماء في عروقي . أن تكون يقظاً دائماً ، تلتقط كل نظرة ، ومغزى كل كلمة ، وتحرز النوايا ، وتخرب المؤامرات ، وتتظاهر بأنك مخدوع ، ثم فجأة ، وبضربة واحدة ، تهدم البنيان الضخم لحيلهم ونواياهم بعد أن بذلوا الجهد الطويل الشاق في تشييده – هذه هي الحياة كما أريدها .
* ما الأمر ؟ أموت إن كان يجب أن أموت ! لن تكون خسارة العالم خسارة كبيرة ، وأنا نفسي أشعر بضجر شديد . أنا اشبه انساناً يتثاءب في حفلة ولا يمنعه من الذهاب الى النوم سوى أ، عربته لم تأت بعد . فإذا باتت العربة جاهزة – وداعاً !
* قد أموت غداً .. ولن يبقى على الأرض كائن واحد استطاع ان يفهمني فهماً تاماً . بعضهم يراني أسوأ مما أنا في الحقيقة ، وبعضهم يراني أفضل ... بعضهم يقول : لقد كان فتى شهماً ، وآخرون يقولون كان حقيراً . وهذا الوصف وذاك غير صحيحين . بعد هذا ، هل يستحق العيش أن نجهد لأجله ؟ ومع ذلك فنحن نعيش وبدافع الفضول ننتظر شياً ما جديداً ....انه لأمر مضحك مبكٍ !
* استعرض في ذاكرتي ماضي كله وأتساءل رغماً عني لماذا عشت ؟ ولأي هدف ولدت ؟ انا واثق من وجود الهدف ، ومتأكد من أن دوراً سامياً كان قد حدد لي ، لأني اشعر في روحي قوى لا حدود لها ولكني لم أحرز ذلك الدور ، شدتني اغراءات الأهواء الغير مشكورة ، ثم خرجت من حمأتها صلباً وبارداً كالحديد ، ولكني فقدت الى الأبد حرارة الميول النبيلة – أجمل ألوان الحياة – وكم من مرة منذ ذلك الحين لعبت دور البلطة في يد القدر ! كنت كوسيلة الاعدام أقع على رؤوس الضحايا الذين حكم القدر عليهم ، من دون حقد في أغلب الأحيان ، ودائماً بلا شفقة .
* انا لا أنظر الى آلام الآخرين وأفراحهم إلا من خلال علاقتها بي ، بوصفها طعاماً تتغذي به قواي الروحية ، لقد سحقت الظروف طموحي ، ولكنه ظهر في هيئة أخرى ، لأن الطموح ليس سوى التعطش الى السلطة ، ومتعتي الأولى هي اخضاع كل من ما حولي لإرادتي وغرس محبتي والاخلاص لي والخوف مني في قلوب الآخرين ، أليس هذا أول علامة من علائم الانتصار الأعظم للسلطة ؟ أن تكون سبباً لآلام أحدهم وأفراحه من دون أن يكون لك حق أدنى في ذلك ، أليس هذا هو الغذاء الأشهى لكبريائنا ؟ وما هي السعادة ؟ انها ارتواء الكبرياء . لو عددت نفسي أفضل من في الدنيا وأقواهم ، لكنت سعيداً ، لو أحبني الجميع لوجدت في نفسي ينابيع للحب لا تنضب . الشر يولد الشر ، المعاناة الأولى تعطيك فكرة عن لذة تعذيب الآخر ، فكرة الشر لا يمكن أن تدخل رأس انسان من دون أن يرغب في تطبيقها في الواقع : لقد قال أحدهم : الأفكار كائنات عضوية . ولادتها تعطيها شكلها ، وهذا الشكل هو الفعل ، من تولد في رأسه أفكار أكثر يقوم بأفعال اكثر ، ولذا فإن العبقري المقيد الى كرسي الوظيفة يجب أن يموت أو يصاب بالجنون ، تماماً كالانسان ذي البنية الجسدية القوية الذي يموت بالسكتة القلبية اذا عاش حياة خاملة ساكنة .
* نعم ، ذلك كان قدري منذ الطفولة ! الجميع قرأ في وجهي علائم الصفات السيئة التي لم تكن موجودة عندي ، ولكنهم افترضوا وجودها – وهكذا وجدت . كنت متواضعاً فاتهموني بالخداع : فصرت كتوماً . كنت أحس بالخير والشر احساساً عميقاً ، ولكن لم يعطف علي أحد ، الجميع وجه الي الاهانات ، فأصبحت حقوداً ، كنت متجهماً ، الأطفال الآخرون كانوا مرحين وثرثارين ، كنت أشعر اني أعلى منهم مستوى ، ولكنهم وضعوني دونهم . فصرت حسوداً كنت مستعداً لحب العالم كله ، ولكن لم يفهمني أحد : فتعلمت كيف أكره . لقد جرى شبابي الباهت في صراع مع ذاتي ومع المجتمع ، كنت احتفظ بأفضل عواطفي في أعماق قلبي ، خوفاً من السخرية . وقد ماتت هناك . كنت أقول الحقيقة ولكنهم لم يصدقوني : فبدأت الخداع ، حين عرفت الناس ونوابض المجتمع جيداً ، وصرت ماهراً في علم الحياة رأيت كيف كان الآخرون سعداء من دون أن يمتلكون أية مهارة ، مستفيدين من تلك المكاسب التي كنت أسعى اليها من دون كلل . حينئذ ولد اليأس في صدري ، ليس ذلك اليأس الذي يعالجونه بفوهة المسدس ، بل هو يأس بارد عاجز يختفي وراء اللطف والابتسامة الموحية بالطيبة ، لقد أصبحت مشوهاً أخلاقياً : نصف روحي غير موجود لأنه جف وتبخر ومات ‘ فاجتثثته ورميته ، في حين أن النصف الثاني كان يحيا ويتحرك راغباً في خدمة أي انسان ، ولكن أحداً لم يلحظ ذلك ، لأن أحداً لم يكن يعلم بوجود النصف الآخر الميت .
* وسألت نفسي : أمن المعقول أن يكون دوري الوحيد في هذا العالم هو تدمير أحلام الآخرين . انني منذ بدأت أحيا وأفعل يقودني القدر دائماً الى وضع حد لقصص الناس الدرامية ، وكأن أحداً لا يستطيع من دوني أن يموت أو يصبه اليأس ! لقد كنت دائماً شخصية ضرورية في الفصل الخامس ، ورغماً عني كنت أؤدي الدور البائس ، دور الجلاد والخائن . ترى ما غاية القدر من ذلك ؟ .. أتراه وظفني مؤلفاً للتراحيديات المبتذلة وحكايات الغرام العائلية _ أم عينني مثلاًُ ، بين موظفي مورد القصص الى دار " بيبليوتيكا دلاشتينيا " - ( مكتبة للقراءة وهي دار نشر رجعية ) – من أين لي أن أعرف ؟ .... كم من الناس يبدؤون حياتهم حالمين بإنهائها كالاسكندر الأكبر أو بايرون ، ومع ذلك يظلون عمرهم كله كتاباً في الدوايين ؟
* ولكن ما دافعي الى هذا العناء ؟ اهو شعور بالحسد نحو غروشنيتسكي ؟ يا للمسكين ! انه لا يستحق الحسد أبداً . أم انه نتيجة ذلك الشعور الرديء الجارف الذي يرغمنا على تدمير الأوهام العذبة بلانسان القريب منا ، كي نحصل عل متعة ضحلة ونحن نقول له حين يأتي إلينا يسألنا بماذا يجب أن يؤمن بعد الآن : " يا صديقي ، لقد حدث الأمر نفسه لي ، ولكن ها أنت ترى انني اتغدى واتعشى وأنام نوماً هادئاً ، وآمل أن استطيع الموت من دون صراخ ودموع ! "
* هذا يسرني جداً : أنا أحب الأعداء ولكن ليس على الطريقة المسيحية ، انهم يسلونني ويحركون الدماء في عروقي . أن تكون يقظاً دائماً ، تلتقط كل نظرة ، ومغزى كل كلمة ، وتحرز النوايا ، وتخرب المؤامرات ، وتتظاهر بأنك مخدوع ، ثم فجأة ، وبضربة واحدة ، تهدم البنيان الضخم لحيلهم ونواياهم بعد أن بذلوا الجهد الطويل الشاق في تشييده – هذه هي الحياة كما أريدها .
* ما الأمر ؟ أموت إن كان يجب أن أموت ! لن تكون خسارة العالم خسارة كبيرة ، وأنا نفسي أشعر بضجر شديد . أنا اشبه انساناً يتثاءب في حفلة ولا يمنعه من الذهاب الى النوم سوى أ، عربته لم تأت بعد . فإذا باتت العربة جاهزة – وداعاً !
* قد أموت غداً .. ولن يبقى على الأرض كائن واحد استطاع ان يفهمني فهماً تاماً . بعضهم يراني أسوأ مما أنا في الحقيقة ، وبعضهم يراني أفضل ... بعضهم يقول : لقد كان فتى شهماً ، وآخرون يقولون كان حقيراً . وهذا الوصف وذاك غير صحيحين . بعد هذا ، هل يستحق العيش أن نجهد لأجله ؟ ومع ذلك فنحن نعيش وبدافع الفضول ننتظر شياً ما جديداً ....انه لأمر مضحك مبكٍ !
* استعرض في ذاكرتي ماضي كله وأتساءل رغماً عني لماذا عشت ؟ ولأي هدف ولدت ؟ انا واثق من وجود الهدف ، ومتأكد من أن دوراً سامياً كان قد حدد لي ، لأني اشعر في روحي قوى لا حدود لها ولكني لم أحرز ذلك الدور ، شدتني اغراءات الأهواء الغير مشكورة ، ثم خرجت من حمأتها صلباً وبارداً كالحديد ، ولكني فقدت الى الأبد حرارة الميول النبيلة – أجمل ألوان الحياة – وكم من مرة منذ ذلك الحين لعبت دور البلطة في يد القدر ! كنت كوسيلة الاعدام أقع على رؤوس الضحايا الذين حكم القدر عليهم ، من دون حقد في أغلب الأحيان ، ودائماً بلا شفقة .